فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان ربما ظن ظان أن المراد بنعمته قدرته على الأنعام ليكون المعنى: أن أشكر لك لكونك قادرًا على الأنعام. قال: {التي أنعمت عليّ} أي بالفعل لوجوب ذلك عليّ لخصوصه بي {وعلى والديّ} ولوبمطلق الآيجاد والعافية في البدن. لأن النعمة عليهما نعمة عليّ. وقد مضى في النمل ما يتعين استحضاره هنا.
ولما كان المقصود الأعظم من النعمة الماضية نعمة الآيجاد المراد من شكرها التوحيد. أتبعها تمام الشكر فقال: {وأن أعمل} أي أنا في خاصة نفسي {صالحًا}.
ولما كان الصالح في نفسه قد يقع الموقع لعدم الإذن فيه قال: {ترضاه} والتنكير إشارة إلى العجز عن بلوغ الغاية فإنه لن يقّدر الله حق قدره أحد.
ولما دعا لنفسه بعد أن أوصى برعاية حق أبيه. لقنه سبحانه الدعاء لمن يتفرع منه. حثًا على رعاية حقوقهم لئلا يسلطهم على عقوقه فقال: {وأصلح} أي أوقع الإصلاح. وقال: {لي في ذريتي} لأن صلاحهم يلحقه نفعه. والمراد بقصر الفعل وجعلهم ظرفًا له أن يكون ثابتًا راسخًا ساريًا فيهم وهم محيطون به فيكونوا صالحين.
ولما استحضر عند كمال العقل في الأربعين أن ما مضى من العمر كان أغلبه ضائعًا فدعا. وكان من شرط قبو ل الدعاء التوبة. علله بقوله: {إني تبت} أي رجعت {إليك} أي عن كل ما يقدح في الإقبال عليك. وأكده إعلامًا بأن حاله في الإقبال على الشهوات حال من يبعد منه الإقلاع فينكر إخباره به. وكذا قوله: {وإني من المسلمين} أي الذين أسلموا ظواهرهم وبواطنهم لك فانقادوا أتم انقياد وأحسنه.
ولما وصف هذا المؤمن بادئًا به لكونه في سياق الإحسان. وكان المراد بالإنسان الجنس. قال مادحًا له بصيغة الجمع منبهًا على أن قبو ل الطاعات مشروط ببر الوالدين لأن ما ظهر دليل ما بطن. ومن لا يشكر من كان من جنسه لاسيما وهو أقرب الناس إليه لاسيما وهو السبب في إيجاده لم يشكر الله كما في الحديث «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» ومن صلح ما بينه وبين الله صلح ما بينه وبين الناس عامة لاسيما الأقارب نسبًا أو مكانًا لاسيما الوالدين: {أولئك} أي العالوالرتبة {الذين نتقبل} بأسهل وجه {عنهم} وأشار سبحانه بصيغة التفعل إلى أنه عمل في قبو له عمل المعتني. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون فيه وفي الذي بعده. ويدل على ذلك قوله تعالى: {أحسن} ويجوز أن يراد به مطلق الدعاء أو الطاعات ويكون ما دون الأحسن مقبو لا. قبو لا مطلقًا على مقدار النية فيه. وتكون التعدية بعن إشارة إلى أن جبلاتهم مبنية على الترقي في معارج الكمال في كل وقت إلى غير نهاية. فتكون هذه المحاسن ليست منهم بمعنى أنهم مجبولون على أعلى منها في نهاياتهم والعبرة بالنهايات و لذلك قال تعالى: {ما عملوا} ولم يقل: أعمالهم.
ولما كان الإنسان محل النقصان وإن كان محسنًا. نبه على ذلك وعلى أن شرط تكفير السيئات التوبة بقوله تعالى: {ونتجاوز} أي بوعد مقبو ل لابد من كونه. وهو معنى قراءة حمزة والكسائي بالنون في الفعلين {عن سيئاتهم} أي فلا يعابهم عليها.
ولما كان هذا مفهمًا لأنهم من أهل الجنة. صرح به زيادة في مدحهم بقوله: {في أصحاب الجنة} أي أنه فعل بهم ذلك وهم في عدادهم لأنهم لم يزالوا فيه لأنهم ما برحوا بعين الرضا.
ولما كان هذا وعدًا. أكد مضمونه بقوله: {وعد الصدق} لكونه مطابقًا للواقع {الذي كانوا} بكون ثابت جدًّا {يوعدون} أي يقطع لهم الوعد به في الدنيا ممن لا أصدق منهم. وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ الَّذِينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)}.
اعلم أنه تعالى لما قرر دلائل التوحيد والنبوّة وذكر شبهات المنكرين وأجاب عنها. ذكر بعد ذلك طريقة المحقين والمحققين فقال: {إِنَّ الذين قالواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} وقد ذكرنا تفسير هذه الكلمة في سورة السجدة والفرق بين الموضعين أن في سورة السجدة ذكر أن الملائكة ينزلون ويقولون {أَلاَّ تَخَافُواْ ولا تَحْزَنُواْ} [فصلت: 30] وهاهنا رفع الواسطة من البين وذكر أنه {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} فإذا جمعنا بين الآيتين حصل من مجموعهما أن الملائكة يبلغون إليهم هذه البشارة. وأن الحق سبحانه يسمعهم هذه البشارة أيضًا من غير واسطة.
واعلم أن هذه الآيات دالة على أن من امن بالله وعمل صالحًا فإنهم بعد الحشر لا ينالهم خوف ولا حزن. و لهذا قال أهل التحقيق إنهم يوم القيامة امنون من الأهوال. وقال بعضهم خوف العقاب زائل عنهم. أما خوف الجلال والهيبة فلا يزو ل ألبتة عن العبد. ألا ترى أن الملائكة مع علودرجاتهم وكمال عصمتهم لا يزو ل الخوف عنهم فقال تعالى: {يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] وهذه المسألة سبقت بالاستقصاء في آيات كثيرة منها قوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103].
ثم قال تعالى: {أولئِكَ أصحاب الجنة خالدين فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على مسائل أولها: قوله تعالى: {أولئِكَ أصحاب الجنة} وهذا يفيد الحصر. وهذا يدل على أن أصحاب الجنة ليسوا إلا الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. وهذا يدل على أن صاحب الكبيرة قبل التوبة لا يدخل الجنة وثانيها: قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وهذا يدل على فساد قول من يقول: الثواب فضل لا جزاء وثالثها: أن قوله تعالى: {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يدل على إثبات العمل للعبد ورابعها: أن هذا يدل على أنه يجوز أن يحصل الأثر في حال المؤثر. أوأي أثر كان موجودًا قبل ذلك بدليل أن العمل المتقدم أوجب الثواب المتأخر وخامسها: كون العبد مستحقًا على الله تعالى. وأعظم أنواع هذا النوع الإحسان إلى الوالدين. لا جرم أردفه بهذا المعنى. فقال تعالى: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} وقد تقدم الكلام في نظير هذه الآية في سورة العنكبوت. وفي سورة لقمان. وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ عاصم وحمزة والكسائي {بوالديه إحسانا} والباقون {حَسَنًا}.
واعلم أن الإحسان خلاف الإساءة والحسن خلاف القبيح. فمن قرأ {إحسانا} فحجته قوله تعالى في سورة بني إسرائيل {وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 43] والمعنى أمرناه بأن يوصل إليهما إحسانًا. وحجة القراءة الثانية قوله تعالى في العنكبوت {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] ولم يختلفوا فيه. والمراد أيضًا أنا أمرناه بأن يوصل إليهما فعلًا حسنًا. إلا أنه سمى ذلك الفعل الحسن بالحسن على سبيل المبالغة. كما يقال: هذا الرجل علم وكرم. وانتصب حسنًا على المصدر. لأن معنى {ووصَّيْنَا الإنسان بوالديه} أمرناه أن يحسن إليهما إِحسانًا.
ثم قال تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي {كُرْهًا} بضم الكاف. والباقون بفتحها. قيل هما لغتان: مثل الضعف والضعف. والفقر والفقر. ومن غير المصادر: الدف والدف. والشهد والشهد. قال الواحدي: الكره مصدر من كرهت الشيء أكرهه. والكره الاسم كأنه الشيء المكروه قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وهو كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216] فهذا بالضم. وقال: {أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهًا} [النساء: 19] فهذا في موضع الحال. ولم يقرأ الثانية بغير الفتح. فما كان مصدرًا أو في موضع الحال فالفتح فيه أحسن. وما كان اسمًا نحوذهبت به على كره كان الضم فيه أحسن.
المسألة الثانية:
قال المفسرون.
حملته أمه على مشقة ووضعته في مشقة. وليس يريد ابتداء الحمل. فإن ذلك لا يكون مشقة. وقد قال تعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} [الأعراف: 189] يريد ابتداء الحمل. فإن ذلك لا يكون مشقة. فالحمل نطفة وعلقة ومضغة. فإذا أثقلت فحينئذ {حَمَلَتْهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا} يريد شدة الطلق.
المسألة الثالثة:
دلت الآية على أن حق الأم أعظم. لأنه تعالى قال أولا: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} فذكرهما معًا. ثم خص الأم بالذكر. فقال: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا} وذلك يدل على أن حقها أعظم. وأن وصو ل المشاق إليها بسبب الولد أكثر. والأخبار مذكورة في هذا الباب.
ثم قال تعالى: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثَلاَثُونَ شَهْرًا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
هذا من باب حذف المضاف. والتقدير ومدة حمله وفصاله ثلاثون شهرًا والفصال الفطام وهو فصله عن اللبن. فإن قيل المراد بيان مدة الرضاعة لا الفطام. فكيف عبّر عنه بالفصال؟ قلنا: لما كان الرضاع يليه الفصال ويلائمه. لأنه ينتهي ويتم به سمي فصالًا.
المسألة الثانية:
دلت الآية على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر. لأنه لما كان مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهرًا. قال: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حوليْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] فإذا أسقطت الحولين الكاملين وهي أربعة وعشرون شهرًا من الثلاثين. بقي أقل مدة الحمل ستة أشهر.
روي عن عمر أن امرأة رفعت إليه. وكانت قد و لدت لستة أشهر. فأمر برجمها. فقال علي: لا رجم عليها. وذكر الطريق الذي ذكرناه. وعن عثمان أنه هم بذلك. فقرأ ابن عباس عليه ذلك.
واعلم أن العقل والتجربة يدلأن أيضًا على أن الأمر كذلك. قال أصحاب التجارب: إن لتكوين الجنين زمانًا مقدرًا. فإذا تضاعف ذلك الزمان تحرك الجنين. فإذا انضاف إلى ذلك المجموع مثلاه انفصل الجنين عن الأم. فلنفرض أنه يتم خلقه في ثلاثين يومًا. فإذا تضاعف ذلك الزمان حتى صار ستين تحرك الجنين. فإذا تضاعف إلى هذا المجموع مثلاه وهو مائة وعشرون حتى صار المجموع مائة وثمانين وهو ستة أشهر. فحينئذ ينفصل الجنين. فلنفرض أنه يتم خلقه في خمسة وثلاثين يومًا فيتحرك في سبعين يومًا. فإذا انضاف إليه مثلاه وهو مائة وأربعون يومًا صار المجموع مائة وثمانين وعشرة أيام. وهو سبعة أشهر انفصل الولد. و لنفرض أنه يتم خلقه في أربعين يومًا. فيتحرك في ثمانين يومًا. فينفصل عند مائتين وأربعين يومًا. وهو ثمانية أشهر. و لنفرض أنه تمت الخلقة في خمسة وأربعين يومًا. فيتحرك في تسعين يومًا. فينفصل عند مائتين وسبعين يومًا. وهو تسعة أشهر. فهذا هو الضبط الذي ذكره أصحاب التجارب.
قال جالينوس: إن كنت شديد التفحص عن مقادير أزمنة الحمل. فرأيت امرأة و لدت في المائة والأربع والثمانين ليلة. وزعم أو علي بن سينا أنه شاهد ذلك. فقد صار أقل مدة الحمل بحسب نص القرآن. وبحسب التجارب الطيبة شيئًا واحدًا. وهو ستة أشهر. وأما أكثر مدة الحمل. فليس في القرآن ما يدل عليه. قال أبو علي بن سينا: في الفصل السادس من المقالة التاسعة من عنوان الشفاء. بلغني من حيث وثقت به كل الثقة. أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحمل و لدًا قد نبتت أسنانه وعاش.
وحكي عن أرسطاطاليس أنه قال: أزمنة الولادة. وحبل الحيوان مضبوطة سوى الإنسان. فربما وضعت الحبلى لسبعة أشهر. وربما وضعت في الثامن. وقلما يعيش المولود في الثامن إلا في بلاد معينة مثل مصر. والغالب هو الولادة بعد التاسع.
قال أهل التجارب: والذي قلناه من أنه إذا تضاعف زمان التكوين تحرك الجنين. وإذا انضم إلى المجموع مثلاه انفصل الجنين. إنما قلناه بحسب التقريب لا بحسب التحديد. فإنه ربما زاد أونقص بحسب الآيام. لأنه لم يقم على هذا الضبط برهان. إنما هو تقريب ذكروه بحسب التجربة. والله أعلم.
ثم قال المدة التي فيها تتم خلقة الجنين تنقسم إلى أقسام فأولها: أن الرحم إذا اشتملت على المني ولم تقذفه إلى الخارج استدار المني على نفسه منحصرًا إلى ذاته وصار كالكرة. ولما كان من شأن المني أن يفسده الحركات. لا جرم يثخن في هذا الوقت وبالحري أن خلق المني من مادة تجف بالحر إذا كان الغرض منه تكون الحيوان واستحصاف أجزائه ويصير المني زبدًا في اليوم السادس وثانيها: ظهور النقط الثلاثة الدموية فيه إحداها: في الوسط وهو الموضع الذي إذا تمت خلقته كان قلبًا والثاني: فوق وهو الدماغ والثالث: على اليمين وهو الكبد. ثم إن تلك النقط تتباعد ويظهر فيما بينها خيوط حمر. وذلك يحصل بعد ثلاثة أيام أخرى فيكون المجموع تسعة أيام وثالثها: أن تنفذ الدموية في الجميع فيصير علقة وذلك بعد ستة أيام أخرى حتى يصير المجموع خمسة عشر يومًا ورابعها: أن يصير لحمًا وقد تميزت الأعضاء الثلاثة. وامتدت رطوبة النخاع. وذلك إنما يتم باثني عشر يومًا فيكون المجموع سبعة وعشرين يومًا وخامسها: أن ينفصل الرأس عن المنكبين والأطراف عن الضلوع والبطن يميز الحس في بعض ويخفى في بعض وذلك يتم في تسعة أيام أخرى فيكون المجموع ستة وثلاثين يومًا وسادسها: أن يتم انفصال هذه الأعضاء بعضها عن بعض ويصير بحيث يظهر ذلك الحس ظهورًا بينًا. وذلك يتم في أربعة أيام أخرى فيكون المجموع أربعين يومًا وقد يتأخر إلى خمسة وأربعين يومًا قال والأقل هو الثلاثون. فصارت هذه التجارب الطبية مطابقة لما أخبر عنه الصادق المصدوق في قوله صلى الله عليه وسلم:
«يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا» قال أصحاب التجارب إن السقط بعد الأربعين إذا شق عنه السلالة و وضع في الماء البارد ظهر شيء صغير متميز الأطراف.
المسألة الثالثة:
هذه الآية دلّت على أقل الحمل وعلى أكثر مدة الرضاع. أما أنها تدل على أقل مدة الحمل فقد بيناه. وأما أنها تدل على أكثر مدة الرضاع فلقوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حوليْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} [البقرة: 233] والفقهاء ربطوا بهذين الضابطين أحكامًا كثيرة في الفقه. وأيضًا فإذا ثبت أن أقل مدة الحمل هو الأشهر الستة. فبتقدير أن تأتي المرأة بالولد في هذه الأشهر يبقى جانبها مصونًا عن تهمة الزنا والفاحشة وبتقدير أن يكون أكثر مدة الرضاع ما ذكرناه. فإذا حصل الرضاع بعد هذه المدة لا يترتب عليها أحكام الرضاع فتبقى المرأة مستورة عن الأجانب. وعند هذا يظهر أن المقصود من تقدير أقل الحمل ستة أشهر وتقدير أكثر الرضاع حولين كاملين السعي في دفع المضار والفواحش وأنواع التهمة عن المرأة. فسبحان من له تحت كل كلمة من هذا الكتاب الكريم أسرار عجيبة ونفائس لطيفة. تعجز العقول عن الإحاطة بكمالها.
وروى الواحدي في (البسيط) عن عكرمة أنه قال إذا حملت تسعة أشهر أرضعته أحدًا وعشرين شهرًا. وإذا حملت ستة أشهر أرضعته أربعة وعشرين شهرًا. والصحيح ما قدمناه.
ثم قال تعالى: {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى والِدَيَّ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اختلف المفسرون في تفسير الأشد. قال ابن عباس في رواية عطاء يريد ثماني عشرة سنة والأكثرون من المفسرين على أنه ثلاثة وثلاثون سنة. واحتج الفراء عليه بأن قال أن الأربعين أقرب في النسق إلى ثلاث وثلاثين منها إلى ثمانية عشر. ألا ترى أنك تقول أخذت عامة المال أوكله. فيكون أحسن من قولك أخذت أقل المال أوكله. ومثله قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ}.